غسل النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
غسل النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين
غسل النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين
أولاً : قال البخاري في صحيحه ، باب ( الغُسْل بالصَّاع ونحْوه ) :« حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي شُعْبَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ : دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ ، فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ ، فَاغْتَسَلَتْ وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا ، وَبَيْنَنَا ، وَبَيْنَهَا حِجَابٌ » .
وقال مسلم في صحيحه ، بَابُ ( الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ مِنْ الْمَاءِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ .. ) :« حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِى ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَنَابَةِ ، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ ، فَاغْتَسَلَتْ ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ ، وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلاَثًا . قَالَ : وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُء ُوسِهِنَّ ، حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ » .
ثانيًا : وحكى النووي في ( شرحه على مسلم ) عن القاضي عِيَاض أنه قال : « ظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُمَا رَأَيَا عَمَلهَا فِي رَأْسهَا وَأَعَالِي جَسَدهَا مِمَّا يَحِلّ لِذِي الْمَحْرَم النَّظَر إِلَيْهِ مِنْ ذَات الْمَحْرَم ، وَكَانَ أَحَدهمَا أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَة كَمَا ذُكِرَ ، قِيلَ : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن يَزِيد ، وَكَانَ أَبُو سَلَمَة اِبْن أُخْتهَا مِنْ الرَّضَاعَة ، أَرْضَعَتْهُ أُمّ كُلْثُوم بِنْت أَبِي بَكْر . قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْلَا أَنَّهُمَا شَاهَدَا ذَلِكَ وَرَأَيَاهُ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْعَائِهَا الْمَاء وَطَهَارَتهَا بِحَضْرَتِهِمَا مَعْنَى ؛ إِذْ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كُلّه فِي سِتْر عَنْهُمَا لَكَانَ عَبَثًا وَرَجَعَ الْحَال إِلَى وَصْفِهَا لَهُ ، وَإِنَّمَا فَعَلَتْ السِّتْر لِيَسْتَتِر أَسَافِل الْبَدَن ، وَمَا لَا يَحِلّ لِلْمَحْرَمِ نَظَرُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَم » !
ثم حكى عنه أيضًا أنه قال : « الْمَعْرُوف أَنَّ نِسَاء الْعَرَب إِنَّمَا كُنَّ يَتَّخِذْنَ الْقُرُون وَالذَّوَائِب ، وَلَعَلَّ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلْنَ هَذَا بَعْد وَفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَرْكِهِنَّ التَّزَيُّن ، وَاسْتِغْنَائِهِنَّ عَنْ تَطْوِيل الشَّعْر ، وَتَخْفِيفًا لِمُؤْنَةِ رُءُوسهنَّ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاض مِنْ كَوْنهنَّ فَعَلْنَهُ بَعْد وَفَاته لَا فِي حَيَاته ، كَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْره وَهُوَ مُتَعَيِّن ، وَلَا يُظَنّ بِهِنَّ فِعْلُهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَخْفِيف الشُّعُور لِلنِّسَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَم » !
ثالثًا : وجاء في ( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) للحافظ زين الدين أبي الفرج بن رجب الحنبلي قوله : « هذا الحديث خرَّجه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، عن شعبة ، مختصرًا ، وفي حديثه : ( قدر صاع ) ، كما أشار إليه البخاري ، وخرَّجه مسلم من طريق معاذ العنبري ، عن شعبة ، وفي حديثه : ( قدر الصاع ) أيضًا . ولفظه : عن أبي سلمة ، قال : دخلت على عائشة ، أنا وأخوها من الرضاعة ، فسألها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة ، فدعت بإناء قدر الصاع ، فاغتسلت ، وبيننا وبينها ستر ، وأفرغت على رأسها ثلاثًا . قال : وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤوسهن حتى يكون كالوفرة » .
وانتهى ابن رجب من ذلك إلى القول : « والمقصود من إيراد هذا الحديث في هذا الباب : أن عائشة لما سئلت عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم ، دعت بإناء ( قدر الصاع ) ، فاغتسلت به ، وفي رواية نحو الصاع ) ، وهذا مما يدل على أن تقدير ماء الغسل ليس هو على وجه التحديد ؛ بل على التقريب » .
رابعًا : لم يلفت انتباه النووي وابن رجب وغيرهما من العلماء في هذا الحديث الملفق الذي يسيء إلى أم المؤمنين سوى المراد من كلمة ( الرضاعة ) وكلمة ( الوفرة ) وكلمة ( صاع ) ، واستنباط الأحكام منه ، وأما ما عدا ذلك فقد سكتوا عنه .
عائشة الطاهرة النقية العفيفة- رضي الله عنها- يصورها حديث البخاري ومسلم ، وهي تعطي درسًا عمليًّا في كيفية الغسل من الجنابة ، تصويرًا لا يمكن أن يخطر على بال بشر ؛ لتعلم الناس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل منها ، ولم ينس راوي الحديث أن يجعل بينها ، وبين الرجلين حجابًا ، وهذا الحجاب لا بد من أن يكون شفَّافًا ، لا يستر سوى أسافل البدن ؛ ليرى الناظر إليها شعرها الوفير ، وأعلى جسدها ، وهي تصب الماء عليهما ؛ وإلا لما كان في هذا الدرس العملي في كيفية تعليم الغسل من الجنابة أية فائدة . وهذا ما صرح به الْقَاضِي عِيَاض في قوله الذي حكاه عنه النووي : « ظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُمَا رَأَيَا عَمَلهَا فِي رَأْسهَا وَأَعَالِي جَسَدهَا .. وَلَوْلَا أَنَّهُمَا شَاهَدَا ذَلِكَ وَرَأَيَاهُ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْعَائِهَا الْمَاء وَطَهَارَتهَا بِحَضْرَتِهِمَا مَعْنَى ؛ إِذْ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كُلّه فِي سِتْر عَنْهُمَا لَكَانَ عَبَثًا ، وَرَجَعَ الْحَال إِلَى وَصْفِهَا لَهُ ، وَإِنَّمَا فَعَلَتْ السِّتْر لِيَسْتَتِر أَسَافِل الْبَدَن » .
وهذا ما صرح به أيضًا ابن رجب في قوله : « ظاهر هذا الحديث أنهما- يعني : أبا سلمة وأخا عائشة- أدركا عملها في رأسها وأعلى جسدها ، مما يحل لذي المحرم أن يطلع عليه من ذوات محارمه ، وأبو سلمة ابن أخيها نسبًا ، والآخر أخوها من الرضاعة ، وتحقُّقًا بالسماع كيفية غسل ما لم يشاهداه من سائر الجسد ، ولولا ذلك ، لاكتفت بتعليمهما بالقول ، ولم تحتج إلى ذلك الفعل » .
ثم لم ينس المدعو أبا سلمة في رواية مسلم أن يصف لنا شعور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لتكتمل الرواية ، فيقول : « وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُء ُوسِهِنَّ ، حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ » .
ويتخذ القاضي عياض من ذلك القول الملفق دليلاً ( عَلَى جَوَاز تَخْفِيف الشُّعُور لِلنِّسَاءِ ) . وأما ابن رجب فيقول : « وإخباره عن كيفية شعور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يدل على رؤيته شعرها ، وهذا لم يختلف في جوازه لذي المحرم ؛ إلا ما يُحكَى عن ابن عباس ، من كراهة ذلك » .
خامسًا : ولم يذكر البخاري في روايته عن الرجلين شيئًا ، سوى أن الأول يدعى ( أبا سلمة ) ، والثاني يدعى ( أخا عائشة ) .. فمن أبو سلمة هذا الذي يقول : « دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ ، فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » ؟ ومن أخو عائشة الذي سألها هذا السؤال ؟ وما اسمه ؟
يجيب مسلم في روايته عن ذلك بقوله : « عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَنَابَةِ » .
فـ( أبو سلمة ) إذًا هو بن عبد الرحمن ، و( أخو عائشة ) هو أخوها في الرضاعة .. ولكن يبقى الجواب غامضًا ، فيأتي القاضي عِيَاض ؛ ليزيل ذلك الغموض ، فيقول كما حكى عنه النووي :« وَكَانَ أَحَدهمَا أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَة كَمَا ذُكِرَ ، قِيلَ : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن يَزِيد ، وَكَانَ أَبُو سَلَمَة اِبْن أُخْتهَا مِنْ الرَّضَاعَة ، أَرْضَعَتْهُ أُمّ كُلْثُوم بِنْت أَبِي بَكْر » .. فيبني قوله على لفظة ( قيل ) التي لا تفيد علمًا .
وأما ابن رجب فيحكي عن القرطبي أنه قال :« وأبو سلمة ابن أخيها نسبًا ، والآخر أخوها من الرضاعة » ، ثم يعلِّق على ذلك فيقول : « قوله : « إن أبا سلمة كانَ ابن أخيها نسبًا ، غلط ظاهر ؛ لأن أبا سلمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي بكر هوَ القاسم . والظاهر : أن أبا سلمة كان ؛ إذ ذاك صغيرًا دون البلوغ ، والآخر كان أخاها من الرضاعة » .
سادسًا : والسؤال الذي ينبغي أن يسأل هنا : إذا ثبت أن أبا سلمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي بكر ، هو القاسم ، وأنه لم يكن ابن أخ لعائشة نسبًا ، ولا ابن أخت لها في الرضاعة ، وأنه كان صغيرًا دون سن البلوغ ، فما حاجته إلى أن يتعلم ، وبدرس عملي ، كيفية الغسل من الجنابة ؟ وممن ؟ من أم المؤمنين- رصي الله عنها- ينظر إليها كيف تصب الماء على رأسها وأعلى جسدها ، ولكن من وراء ستر ، وأي ستر هذا الذي تهتك به الأسرار ؛ بل حرمات أمهات المؤمنين ؟
وهل الأمر جِدُّ خطير وعسير قد خفي سرُّه على كبار الصحابة- رضوان الله عليهم- حتى يؤتى إلى عائشة- رضي الله عنها- لتسأل عنه من قبل رجلين ، زُعِم أن الأول : هو ابن أخيها في النسب ، أو ابن أختها في الرضاعة ، أو ليس هذا ولا ذاك وإنما كان صغيرًا دون سن البلوغ ، والثاني : أخوها في الرضاعة ، وقيل : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن يَزِيد ؟
ثم إذا ثبت أن الرجل الآخر كان أخًا للسيدة عائشة في الرضاعة ، وأن اِسْمه- كما قِيلَ- عَبْد اللَّه بْن يَزِيد ، فكيف يرضى لنفسه أن يقف من وراء ستر ؛ لينظر مع من اصطحبه معه إلى أخته في الرضاعة ، وهي تصب الماء على رأسها وأعلى جسدها ؟ من منَّا يرضى لنفسه أن يفعل هذا الفعل مع أخته ، أو عمته ، أو خالته ، أو أمه ، وليس مع أخته في الرضاعة ؟
ثم أي امرأة في عصرنا هذا الذي ابتعدنا فيه كثيرًا عن تعاليم الإسلام ، ترضى لنفسها أن تفعل هذا الفعل الذي ينسبه كل من البخاري ومسلم إلى السيدة الطاهرة أم المؤمنين- رضي الله عنها- مع ابنها الذي هو أقرب الناس إليها ؟
وأخيرًا : لماذا عائشة هي المقصودة بالذات بأحاديث الإفك هذه ، دون غيرها من أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن ؟ وبدلاً من أن يطعن شراح الحديث في هذا الحديث ويبينوا زيفه وكذبه ، نجدهم يختلقون المبرِّرًات ؛ ليثبتوا بها صحة هذا الحديث . ويكفي قول ابن رجب : « والظاهر : أن أبا سلمة كان ؛ إذ ذاك صغيرًا دون البلوغ ، والآخر كان أخاها من الرضاعة » ، ثم قول القاضي عياض : قِيلَ : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن يَزِيد » دليلاً على فساد هذا الحديث ، وفساده ظاهر من وجهين : أحدهما : قوله ( والظاهر ) الذي لا يفيد غير الظن والتخمين ، والثاني : كما ذكرت ، إن كان ذلك المدعو ( أبا سلمة ) صغيرًا دون سن البلوغ ، فما حاجته إلى أن يسأل عن كيفية غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة ؟ وهل عائشة- رضي الله عنها- ملزمة أن تعلم بدرس عملي ذلك الطفل الصغير الذي يكنى بأبي سلمة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ؟ هذا إذا سلمنا بأن الرجل الآخر ، كما قيل : هو أخوها في الرضاعة حقيقة ؛ ولكن يكفي عدم التصريح باسمه من قبل البخاري ومسلم دليلاً على الكذب والافتراء ، فـ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
أولاً : قال البخاري في صحيحه ، باب ( الغُسْل بالصَّاع ونحْوه ) :« حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي شُعْبَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ : دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ ، فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ ، فَاغْتَسَلَتْ وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا ، وَبَيْنَنَا ، وَبَيْنَهَا حِجَابٌ » .
وقال مسلم في صحيحه ، بَابُ ( الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ مِنْ الْمَاءِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ .. ) :« حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِى ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَنَابَةِ ، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ ، فَاغْتَسَلَتْ ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ ، وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلاَثًا . قَالَ : وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُء ُوسِهِنَّ ، حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ » .
ثانيًا : وحكى النووي في ( شرحه على مسلم ) عن القاضي عِيَاض أنه قال : « ظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُمَا رَأَيَا عَمَلهَا فِي رَأْسهَا وَأَعَالِي جَسَدهَا مِمَّا يَحِلّ لِذِي الْمَحْرَم النَّظَر إِلَيْهِ مِنْ ذَات الْمَحْرَم ، وَكَانَ أَحَدهمَا أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَة كَمَا ذُكِرَ ، قِيلَ : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن يَزِيد ، وَكَانَ أَبُو سَلَمَة اِبْن أُخْتهَا مِنْ الرَّضَاعَة ، أَرْضَعَتْهُ أُمّ كُلْثُوم بِنْت أَبِي بَكْر . قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْلَا أَنَّهُمَا شَاهَدَا ذَلِكَ وَرَأَيَاهُ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْعَائِهَا الْمَاء وَطَهَارَتهَا بِحَضْرَتِهِمَا مَعْنَى ؛ إِذْ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كُلّه فِي سِتْر عَنْهُمَا لَكَانَ عَبَثًا وَرَجَعَ الْحَال إِلَى وَصْفِهَا لَهُ ، وَإِنَّمَا فَعَلَتْ السِّتْر لِيَسْتَتِر أَسَافِل الْبَدَن ، وَمَا لَا يَحِلّ لِلْمَحْرَمِ نَظَرُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَم » !
ثم حكى عنه أيضًا أنه قال : « الْمَعْرُوف أَنَّ نِسَاء الْعَرَب إِنَّمَا كُنَّ يَتَّخِذْنَ الْقُرُون وَالذَّوَائِب ، وَلَعَلَّ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلْنَ هَذَا بَعْد وَفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَرْكِهِنَّ التَّزَيُّن ، وَاسْتِغْنَائِهِنَّ عَنْ تَطْوِيل الشَّعْر ، وَتَخْفِيفًا لِمُؤْنَةِ رُءُوسهنَّ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاض مِنْ كَوْنهنَّ فَعَلْنَهُ بَعْد وَفَاته لَا فِي حَيَاته ، كَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْره وَهُوَ مُتَعَيِّن ، وَلَا يُظَنّ بِهِنَّ فِعْلُهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَخْفِيف الشُّعُور لِلنِّسَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَم » !
ثالثًا : وجاء في ( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) للحافظ زين الدين أبي الفرج بن رجب الحنبلي قوله : « هذا الحديث خرَّجه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، عن شعبة ، مختصرًا ، وفي حديثه : ( قدر صاع ) ، كما أشار إليه البخاري ، وخرَّجه مسلم من طريق معاذ العنبري ، عن شعبة ، وفي حديثه : ( قدر الصاع ) أيضًا . ولفظه : عن أبي سلمة ، قال : دخلت على عائشة ، أنا وأخوها من الرضاعة ، فسألها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة ، فدعت بإناء قدر الصاع ، فاغتسلت ، وبيننا وبينها ستر ، وأفرغت على رأسها ثلاثًا . قال : وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤوسهن حتى يكون كالوفرة » .
وانتهى ابن رجب من ذلك إلى القول : « والمقصود من إيراد هذا الحديث في هذا الباب : أن عائشة لما سئلت عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم ، دعت بإناء ( قدر الصاع ) ، فاغتسلت به ، وفي رواية نحو الصاع ) ، وهذا مما يدل على أن تقدير ماء الغسل ليس هو على وجه التحديد ؛ بل على التقريب » .
رابعًا : لم يلفت انتباه النووي وابن رجب وغيرهما من العلماء في هذا الحديث الملفق الذي يسيء إلى أم المؤمنين سوى المراد من كلمة ( الرضاعة ) وكلمة ( الوفرة ) وكلمة ( صاع ) ، واستنباط الأحكام منه ، وأما ما عدا ذلك فقد سكتوا عنه .
عائشة الطاهرة النقية العفيفة- رضي الله عنها- يصورها حديث البخاري ومسلم ، وهي تعطي درسًا عمليًّا في كيفية الغسل من الجنابة ، تصويرًا لا يمكن أن يخطر على بال بشر ؛ لتعلم الناس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل منها ، ولم ينس راوي الحديث أن يجعل بينها ، وبين الرجلين حجابًا ، وهذا الحجاب لا بد من أن يكون شفَّافًا ، لا يستر سوى أسافل البدن ؛ ليرى الناظر إليها شعرها الوفير ، وأعلى جسدها ، وهي تصب الماء عليهما ؛ وإلا لما كان في هذا الدرس العملي في كيفية تعليم الغسل من الجنابة أية فائدة . وهذا ما صرح به الْقَاضِي عِيَاض في قوله الذي حكاه عنه النووي : « ظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُمَا رَأَيَا عَمَلهَا فِي رَأْسهَا وَأَعَالِي جَسَدهَا .. وَلَوْلَا أَنَّهُمَا شَاهَدَا ذَلِكَ وَرَأَيَاهُ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْعَائِهَا الْمَاء وَطَهَارَتهَا بِحَضْرَتِهِمَا مَعْنَى ؛ إِذْ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كُلّه فِي سِتْر عَنْهُمَا لَكَانَ عَبَثًا ، وَرَجَعَ الْحَال إِلَى وَصْفِهَا لَهُ ، وَإِنَّمَا فَعَلَتْ السِّتْر لِيَسْتَتِر أَسَافِل الْبَدَن » .
وهذا ما صرح به أيضًا ابن رجب في قوله : « ظاهر هذا الحديث أنهما- يعني : أبا سلمة وأخا عائشة- أدركا عملها في رأسها وأعلى جسدها ، مما يحل لذي المحرم أن يطلع عليه من ذوات محارمه ، وأبو سلمة ابن أخيها نسبًا ، والآخر أخوها من الرضاعة ، وتحقُّقًا بالسماع كيفية غسل ما لم يشاهداه من سائر الجسد ، ولولا ذلك ، لاكتفت بتعليمهما بالقول ، ولم تحتج إلى ذلك الفعل » .
ثم لم ينس المدعو أبا سلمة في رواية مسلم أن يصف لنا شعور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لتكتمل الرواية ، فيقول : « وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُء ُوسِهِنَّ ، حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ » .
ويتخذ القاضي عياض من ذلك القول الملفق دليلاً ( عَلَى جَوَاز تَخْفِيف الشُّعُور لِلنِّسَاءِ ) . وأما ابن رجب فيقول : « وإخباره عن كيفية شعور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يدل على رؤيته شعرها ، وهذا لم يختلف في جوازه لذي المحرم ؛ إلا ما يُحكَى عن ابن عباس ، من كراهة ذلك » .
خامسًا : ولم يذكر البخاري في روايته عن الرجلين شيئًا ، سوى أن الأول يدعى ( أبا سلمة ) ، والثاني يدعى ( أخا عائشة ) .. فمن أبو سلمة هذا الذي يقول : « دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ ، فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » ؟ ومن أخو عائشة الذي سألها هذا السؤال ؟ وما اسمه ؟
يجيب مسلم في روايته عن ذلك بقوله : « عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَنَابَةِ » .
فـ( أبو سلمة ) إذًا هو بن عبد الرحمن ، و( أخو عائشة ) هو أخوها في الرضاعة .. ولكن يبقى الجواب غامضًا ، فيأتي القاضي عِيَاض ؛ ليزيل ذلك الغموض ، فيقول كما حكى عنه النووي :« وَكَانَ أَحَدهمَا أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَة كَمَا ذُكِرَ ، قِيلَ : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن يَزِيد ، وَكَانَ أَبُو سَلَمَة اِبْن أُخْتهَا مِنْ الرَّضَاعَة ، أَرْضَعَتْهُ أُمّ كُلْثُوم بِنْت أَبِي بَكْر » .. فيبني قوله على لفظة ( قيل ) التي لا تفيد علمًا .
وأما ابن رجب فيحكي عن القرطبي أنه قال :« وأبو سلمة ابن أخيها نسبًا ، والآخر أخوها من الرضاعة » ، ثم يعلِّق على ذلك فيقول : « قوله : « إن أبا سلمة كانَ ابن أخيها نسبًا ، غلط ظاهر ؛ لأن أبا سلمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي بكر هوَ القاسم . والظاهر : أن أبا سلمة كان ؛ إذ ذاك صغيرًا دون البلوغ ، والآخر كان أخاها من الرضاعة » .
سادسًا : والسؤال الذي ينبغي أن يسأل هنا : إذا ثبت أن أبا سلمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي بكر ، هو القاسم ، وأنه لم يكن ابن أخ لعائشة نسبًا ، ولا ابن أخت لها في الرضاعة ، وأنه كان صغيرًا دون سن البلوغ ، فما حاجته إلى أن يتعلم ، وبدرس عملي ، كيفية الغسل من الجنابة ؟ وممن ؟ من أم المؤمنين- رصي الله عنها- ينظر إليها كيف تصب الماء على رأسها وأعلى جسدها ، ولكن من وراء ستر ، وأي ستر هذا الذي تهتك به الأسرار ؛ بل حرمات أمهات المؤمنين ؟
وهل الأمر جِدُّ خطير وعسير قد خفي سرُّه على كبار الصحابة- رضوان الله عليهم- حتى يؤتى إلى عائشة- رضي الله عنها- لتسأل عنه من قبل رجلين ، زُعِم أن الأول : هو ابن أخيها في النسب ، أو ابن أختها في الرضاعة ، أو ليس هذا ولا ذاك وإنما كان صغيرًا دون سن البلوغ ، والثاني : أخوها في الرضاعة ، وقيل : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن يَزِيد ؟
ثم إذا ثبت أن الرجل الآخر كان أخًا للسيدة عائشة في الرضاعة ، وأن اِسْمه- كما قِيلَ- عَبْد اللَّه بْن يَزِيد ، فكيف يرضى لنفسه أن يقف من وراء ستر ؛ لينظر مع من اصطحبه معه إلى أخته في الرضاعة ، وهي تصب الماء على رأسها وأعلى جسدها ؟ من منَّا يرضى لنفسه أن يفعل هذا الفعل مع أخته ، أو عمته ، أو خالته ، أو أمه ، وليس مع أخته في الرضاعة ؟
ثم أي امرأة في عصرنا هذا الذي ابتعدنا فيه كثيرًا عن تعاليم الإسلام ، ترضى لنفسها أن تفعل هذا الفعل الذي ينسبه كل من البخاري ومسلم إلى السيدة الطاهرة أم المؤمنين- رضي الله عنها- مع ابنها الذي هو أقرب الناس إليها ؟
وأخيرًا : لماذا عائشة هي المقصودة بالذات بأحاديث الإفك هذه ، دون غيرها من أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن ؟ وبدلاً من أن يطعن شراح الحديث في هذا الحديث ويبينوا زيفه وكذبه ، نجدهم يختلقون المبرِّرًات ؛ ليثبتوا بها صحة هذا الحديث . ويكفي قول ابن رجب : « والظاهر : أن أبا سلمة كان ؛ إذ ذاك صغيرًا دون البلوغ ، والآخر كان أخاها من الرضاعة » ، ثم قول القاضي عياض : قِيلَ : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن يَزِيد » دليلاً على فساد هذا الحديث ، وفساده ظاهر من وجهين : أحدهما : قوله ( والظاهر ) الذي لا يفيد غير الظن والتخمين ، والثاني : كما ذكرت ، إن كان ذلك المدعو ( أبا سلمة ) صغيرًا دون سن البلوغ ، فما حاجته إلى أن يسأل عن كيفية غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة ؟ وهل عائشة- رضي الله عنها- ملزمة أن تعلم بدرس عملي ذلك الطفل الصغير الذي يكنى بأبي سلمة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ؟ هذا إذا سلمنا بأن الرجل الآخر ، كما قيل : هو أخوها في الرضاعة حقيقة ؛ ولكن يكفي عدم التصريح باسمه من قبل البخاري ومسلم دليلاً على الكذب والافتراء ، فـ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
يحي13- عضو اساسي
- عدد المساهمات : 122
تاريخ التسجيل : 28/01/2012
العمر : 49
reda- عضو اساسي
- عدد المساهمات : 116
تاريخ التسجيل : 28/01/2012
العمر : 40
مواضيع مماثلة
» مواقف من حياه النبي - صل الله عليه وسلم
» معجزات النبي صلى الله عليه وسلم نطق الجماد والحيوان بين يديه
» موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
» سيد العُباد صلى الله عليه وسلم
» كلمات عن الحبيب صلى الله عليه وسلم
» معجزات النبي صلى الله عليه وسلم نطق الجماد والحيوان بين يديه
» موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
» سيد العُباد صلى الله عليه وسلم
» كلمات عن الحبيب صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى